حسام خضرا يكتب: فرساي غزة


بعد أن أسدلت الحرب العالمية الأولى ستارة مسرحها مع خسائر تقدر بملايين الأرواح جلس الألمان على طاولة المفاوضات وقبلوا ما أملاه عليهم الحلفاء، والذي كان أهم ما فيه هو فرض قيود وضوابط صارمة على الآلة العسكرية الألمانية فتم تجريد الجيش الألماني من سلاحه الثقيل وألغي التجنيد الإجباري وحرمت ألمانيا من بناء قوة جوية جديدة كما التزمت بعدد محدود للقوات البحرية، واعتبرت تلك الشروط مذلة بحق الألمان لكن هذه هي الحرب وضريبتها لتجنب المزيد من الويلات لأولئك الذين لا ناقة لهم في الحرب ولا جمل.
أما عن قطاع غزة وسلاحه الذي لا يزيد عن أسلحة خفيفة تم تهريبها خفية وصواريخ وقذائف محلية الصنع ليس لها مفعول عسكري مؤثر إلا في حالات نادرة تتلخص بالقتال وجهاً لوجه وهذا أمر نادر الحدوث لأن الصراع بين غزة وإسرائيل كأن تضرب رأسك بجدار فولاذي، فلا طاقة لتلك الصواريخ والمقذوفات لمجاراة أنواع الأسلحة التي يعجز عقلي عن تذكر أسمائها وأنواعها فإسرائيل تعتبر ناطحة سحاب عسكرية متشابكة المصالح والعلاقات في المحيط العالمي والإقليمي شئنا أم أبينا قبلنا أم رفضنا فكل شيء يجب أن يوصف بتوصيفه الصحيح بعيداً عن المجاملات.
ولا أقارن هنا ما حدث مع ألمانيا على يد الحلفاء بما يحدث الآن مع حماس في غزة من مطالبات بنزع سلاحها، بل هو محاكاة تهكمية على كل ما يحدث، فإسرائيل تضع مسألة السلاح في غزة حجر عثرة للوصول إلى هدوء مستدام، لكن ولسخرية القدر فإن إسرائيل كعادتها صورت حماس وكأنها قوة عظمى تمتلك إمكانيات عسكرية كبيرة، وكعادة الجماعات الإسلامية وبغباء معهود منقطع النظير التقطت حماس الفرصة وروجت لنفسها على أنها تمتلك ترسانة خارقة من الأسلحة ذات التأثير الكبير.
إن رغبة إسرائيل في نزع سلاح حماس معضلة حقيقية في طريق الوصول إلى اتفاق، فكيف تطالب بنزع شيء وهمي، وكيف لحماس أن تتساوق مع ذلك بل وتثبت بأدلة وهمية عبر ماكينتها الإعلامية ومناصريها بأنها تمتلك تلك المنظومة الفعالة من الأسلحة، فسلاح حماس حقيقة لا يتعدى بضع آلاف من الأسلحة الآلية والمقذوفات محلية الصنع التي قد يصل مداها أحياناً إلى العمق الإسرائيلي لكنها في الواقع ليست ذات تأثير حقيقي.
إن الوهم الذي تعيشه قيادة حماس يجب أن يتبدد، كما يجب على أولئك المنتمين للحركة والذين ألغيت عقولهم على مدار سنوات أن يفيقوا من غيبتهم ويصطفوا إلى جانب شعبهم بدلاً من الأوهام المطلقة التي تسيطر على عقولهم بسبب سياسة غسيل الأدمغة التي اتبعتها الحركة لعقود خَلَت حتى أنتجت جيلاً مشوهاً فكرياً وثقافياً وعقائدياً لا يحمل بداخله سوى فكرة الموت كسبيل للنجاة.
إن نزع السلاح من حماس ليس كافياً، فعلى الحركة أن تفكر جدياً بالعودة إلى الصف الوطني وتعتذر عن مغامراتها التي أهلكت الفلسطينيين واقتربت من القضاء على فكرة عدالة القضية، وإن لم يحدث هذا ولا أعتقد أنه سيحدث فعلى الكل الفلسطيني أن يتكاتف لمحاكمة هؤلاء الذين يظنون أن الوهم والجهل يمكنه أن يحرر وطناً أو يبني إنسان.
وبالعودة إلى النقطة السابقة، فلنفترض جدلاً أن حماس تمتلك سلاحاً حقيقياً ومؤثراً ويمكنه قلب المعادلة، ما الذي يمنع استخدامه حتى الآن بعد أن وصلت القضية الفلسطينية إلى مرحلة اللاعودة ودمرت حماس كما كانت تريد دائماً كافة الاتفاقيات التي عقدتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل ولم يعد هناك شيء يمكن للفلسطينيين البكاء عليه، فأبنائهم وأموالهم ومنازلهم وأحلامهم صارت سراباً، وما زالت حماس تتفنن في ابتداع الطرق والأساليب التي من شأنها أن تعيد الحركة إلى سدة الحكم في القطاع المدمر، دون أي مراعاة لحرمة الدم الفلسطيني وآلام الأطفال والأمهات وطوابير المهانة على دورات المياه البدائية وتكيات الطعام الفاسد.
إن كانت إسرائيل تسعى لهدم القضية الفلسطينية فهذا هدفها منذ البداية وإسرائيل عدو واضح وصريح لكل فلسطيني وعربي، لكن ما الذي يدفع جماعة تدعي التدين لأن تكون شريكاً مباشراً ومتساوقاً في إراقة دم الفلسطينيين وإهانتهم دون اتخاذ خطوات حقيقية لوقف هذه الحرب إما بسلاحهم الوهمي الذي يدعون امتلاكه ولا يريدون التخلي عنه، أو بالانسحاب كلياً من المشهد دون قيد أو شرط.