المستشار هيثم بسام يكتب: ”أحمد عدوية”.. وداعًا لصوت يعيد الحياة إلى الشوارع
الوثيقةاليوم، غابت شمس الفن الشعبي عن سماء مصر، برحيل الفنان الكبير أحمد عدوية، الذي انتقل إلى جوار ربه تاركًا وراءه إرثًا لا يمحى في عالم الموسيقى والغناء الشعبي، رحل عدوية، لكن صوته الذي طالما تراقصت على نغماته قلوب ملايين المصريين، سيظل حيًا في ذاكرة كل محب للغناء الشعبي الأصيل.
من شوارع مصر الشعبية إلى خشبات المسارح، سطع نجم عدوية في أواخر السبعينات، ليصبح صوتًا للمهمشين، وللشعب البسيط الذي طالما وجد في أغانيه ملاذًا من همومه وآلامه، بدأ حياته الفنية في القاهرة، حيث خرج من رحم الأحياء الشعبية ليغني، ويهز المدرجات بنغمة غير تقليدية، وصوت مُفعم بالحياة، لم يكن عدوية مجرد فنان، بل كان صوتًا يروي قصصًا من الوجع والأمل، من الفرح والحزن، معبّرًا عن نبض الشارع المصري بما لم تستطع أية أداة موسيقية أو كلمة أن تعبر عنه.
أغانيه كانت أكثر من مجرد ألحان وأغنيات، كانت ثورات صوتية تنبض بالعفوية، والصدق، والتلقائية، فكل كلمة من كلمات أغانيه كانت تحمل رائحة الأحياء الشعبية، وكأنها تهمس في أذن كل من يستمع إليها: "هيا معًا نغني، نضحك، ونواجه الحياة"، كان "عدوية" بمثابة قائد لجوقة من الناس البسطاء، الذين شعروا معه أنهم في صميم الحدث، وأن صوته يعكس أحلامهم وطموحاتهم.
لكن عدوية لم يكن مجرد ظاهرة فنية، بل كان رمزًا للتمرد على الكلاسيكية، وجسرًا بين طبقات المجتمع، فالأغاني التي قدمها مثل "بطلوا الكذب"، "سنة وسنتين"، "يا حب" ستظل خالدة، بل ستظل كل كلمة وكل لحن من هذه الأغاني يتردد في الآذان، وكأننا نسمعها لأول مرة.
اليوم، وعلى الرغم من وفاته، تبقى أغانيه تعيش في كل مكان، فحتى في غيابه، يظل أحمد عدوية علامة فارقة في مسيرة الأغنية الشعبية، بل في تاريخ الفن المصري بأسره، وقد تودعنا الدنيا من دون أن يرحل هو فعلاً، بل ستظل أغانيه تُشعرنا بحضوره، تضحكنا، وتبكينا، وتذكرنا بأن الحياة لا تقاس بكثرة السنين، بل بمقدار الفن الذي يُخلد.