صبرة القاسمي يكتب: الأكراد السابقون
الوثيقةسبق إلى الإسلام، وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه الحديث.. وعنه كتب ابنه ميمون الحديث وعن غيره من الصحابة.. وهو أحد رواة الحديث، إنه الصحابي جابان أبو ميمون الكردي.. رمز دخول الأكراد الإسلام في بداياته.
جاء ذكر أبي ميمون الكردي، في الكثير من أمهات الكتاب، لكنه لم ينل من الشهرة مثل نظرائه من الصحابة.. وروى عن النبي أكثر من حديث منها الحديث الشريف الذي رواه عنه الإمام أحمد: " لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى".
بذلك يُعد دخول الأكراد سابقًا في الإسلام على زمن الفتوحات التي تلت النبي صلى الله عليه وسلم.. ولا أبالغ أن أقول أن الأكراد من أوائل القوميات التي سبقت للإسلام.
لم يكن الأكراد شعوبيين، تساووا والعرب، وعلى مدار تاريخ الحضارة الإسلامية أو العربية، كان الأكراد من أبرز المساهمين والمؤسسين قديمًا وحديثًا.. أسماء نعلمها جيدًا باستثناء صلاح الدين ولا نعلم أنهم أكراد، والسرد التالي على سبيل المثال:
"الصحابي الجليل جابان أبو ميمون، وابنه ميمون أحد أهم التابعين ورواة الحديث - صلاح الدين الأيوبي أحد أهم الشخصيات في التاريخ الإسلامي ومحرر المسجد الأقصى من الصليبين - "ابن خلكان" قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم، بن أبي بكر بن خلكان المكنى بأبي العباس المؤرخ والقاضي والأديب أحد أعلام مدينة دمشق صاحب كتاب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان وهو أشهر كتب التراجم العربية، ومن أحسنها ضبطا وإحكاما".
وإذا ذكرنا إلى جوار كل علم كردي تعريف بسيط لا يتجاوز كلمات فإن بطون الكتب ستمتلئ دون أن ننتهي، لذا سنورد الأسماء فقط، ولشدة الدهشة أسماء ما كان أحد يعلم أنهم من الأكراد، وأنهم من بناة الحضارة الإسلامية العربية قديما وحديثًا:
"شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية - ابن الاثير أحد أهم مؤرخي الإسلام- زرياب أحد أهم الموسيقيين في العالم، ومخترع فن الموشحات، وإليه يدين الغرب بآلاتهم الموسيقية وموسيقاهم – إبراهيم وإسحاق الموصليين، أبو الفداء إسماعيل بن علثي، أحد أهم علماء الجغرافيا ومؤسسيها في العصر العباسي، وعنه أخذ الغرب قواعد علم الجغرافيا، الرحالة الشهير أحمد بن فضلان مكتشف بلاد الروس والصقالبة صاحب الرحلة الشهيرة - ابن النديم صاحب الفهرست – عبدالرحمن الكواكبي – الدينوري أبو حنيفة أحمد بن داوود – بديع الزمان سعيد النورسي أحد أهم الشخصيات المؤثرة تاريخيًا في تركيا وصاحب المعارك الفاصلة ضد روسيا القصيرية متبرعًا دون مناصب أو مكاسب سياسية هو وفدائيين أكراد لصالح الدولة العثمانية".
ولا يعلم الكثير من المصريين أن أمير الشعراء أحمد شوقي، من أعلام الأكراد، وكذلك الأديب أحمد تيمور باشا، وعباس العقاد كردي من ناحية الأم، وأن امتداد الأكراد في مصر كثير وكثير من المصريين يحملون في نهاية اسمائهم اسم الكردي.
لم نرى في التاريخ إلا تعايش وتفاهم بين الأكراد والعرب، حتى أن كثير من العرب يرجع الأكراد إلى أصول عربية من العرب العاربة، وهو قول معتبر، جاء في تاج العروس بتصرف نقلا عن ابن دريد في "الجمهرة" عن جد الأكراد هو كرد بن عمرو بن عامر بن صعصعة، وعن ابن الكلبي في تاج العروس نفسه عن أبي اليقظان، أنه كرد بن عمرو مزيقياء، أصولهم من اليمن، تفرقوا مع سيل العرب، وعن المسعود أن الأكراد من ولد ربيعة بن نزار ومنهم من هو ولد مضر بن نضار، وأنهم من أبناء سام.
وروايات أخرى، تقول غير ذلك، ليس مجالًا لسردها، ما نؤكده أن الأكراد، قلب من قلوب الإسلام والعروبة سواء كانوا عربًا أو غير ذلك، أسسوا وساهموا وشاركوا في نهضة الإسلام والمسلمين على مدار التاريخ، وعايشوا وتعايشوا دون مشكلة تذكر.
إذا ما المشكلة، لعلنا نتوسع عنها في بحث موسع إن أراد الله لنا عمرًا ووفر لنا جهدًا إلا أننا سنروى خلاصة ما أورده التاريخ.
تتفق المصادر والكتب التاريخية على أن الأكراد قوم ذو بأس شديد أهل كرم ونجدة لا يضامون، وساهم الأتراك في نهضة العالم الإسلامي بما في ذلك تركيا وريثة الدولة العثمانية مثل بديع الزمان النورسي، الذي كان له أثر إيجابي في تاريخ الدولة العثمانية وتركيا، وسعيد بيران، حافظ القرآن وسليل النقشبندية، الذي كان له أثر قوي في انتصارات تركيا بعد الحرب العالمية الثانية ضد اليونان، وقاضي محمد صاحب النضال الكبير في إيران.
إن الزعيمين الأخيرين لم يكونا أصحاب فعل، لم يدعيا إلى قومية، إن الأمر في غاية البساطة، ما يطلبة الأكراد من حرية ومساواة هو رد فعل، فبعد تقسيم الدولة العثمانية واتفاقية كامب ديفيد الجاني الأكبر على الأكراد وظهور الدول القومية سواء في تركيا أو إيران، ورفض الدول التي بها أكراد الاعتراف بالهوية الكردية ظهرت النزعات القومية الرافضة والمعادية للهوية الكردية، التي هي حق أصيل لكل إنسان أن يحافظ على هويته، وتعاملت معها بعنف ورفض، فجاءات مطالب الأكراد وثوراتهم كرد فعل.. فما أقسى أن تعيش على الأرض التي عاش فيها أجدادك آلاف السنين وتعامل على أنك مواطن من درجة ثانية أو ثالثة أو أنك لست صاحب بلد أصيل.
قضية الأكراد عادلة.. وكل من يفههما فهمًا صحيحًا يتعاطف ويتبنى القضية كأنها قضيته وهي كذلك، إلا أننا لسوء الحظ نجد خللًا في توضيح حقيقة هذه القضية سواء في الرد على الدعاوى التي تثار عنهم من قبل مخالفيهم أو في توصيل حقيقة قضيتهم لا سيما للشعوب العربية التي ترى الأكراد أقرب إليهم من غيرهم في العالم أو يعتبرونهم منهم..
إن من أهم ركائز القضايا خطاب القضايا، لا سيما وإن كانت قضية عادلة، القلوب قبل الآذان متفتحة.. فهل نجد خطابًا كرديًا يصل إلى القلب قبل أن تسمعه الآذان ويتشوق إليه مئات الملايين من العرب.
كل عيد نوروز والأكراد في القلب..