العقلاء.. إنهم يلتمسون النور فيما وصفه الله بالظلمات
محمد يسري الوثيقةمن العبث البحث عن النور فيما وصفه الله تعالى بالظلام والظلمات، والظلم، لكن أقوامًا يعيشون في مجتمع أضاءه الله بنوره، يحاولون قلب هذه الحقيقة، ويصفون هذا النور بالظلام، وأن المخلفات البشرية التي أنتجتها عصور الظلام في الغرب، والتي يعرف كل العقلاء في العالم، الآثار التي ترتبت عليها، والدماء التي لاتزال تسيل في كل أنحاء العالم؛ سواء بفعل جيوشهم، أو بدعمهم للجماعات التخريبية في عالمنا؛ بهدف إظلامه، يصفون كل هذه الجرائم الظلامية، بأنها مبنية على أسس عقلية نورانية، فكيف هذا وقد قال تعالى في سورة النور: { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}؟ إنهم يلتمسون النور فيما وصفه الله بالظلمات. أي عقل هذا؟
أكثر ما لفت نظري، وانشرح له قلبي في قصة الكاتب والإعلامي إبراهيم عيسى مع القرآن، أنه كشف خيبة زملائه من أصحاب هذا النوع من الفكر الظلامي المنحرف، وأظهر ضآلتهم في المجتمع المسلم، وبين أن محاولاتهم لنقل التجربة الغربية الفاشلة في إدارة الإنسانية نحو فكر وضعي خرافي، لا قيمة له أمام حضارة إسلامية نقية علمت أهلها كيف يتعايشون مع أصحاب الملل الأخرى في سلام وأمان منذ عشرات القرون بعد عصور طويلة من الجاهلية الجهلاء.
بات هؤلاء ينوحون على فشلهم الذريع في إقناع المجتمع المسلم، بأن الإسلام يدعو إلى الظلام، وأن الجماعات المنحرفة التي حاربها الإسلام نفسه، هي نتاج لفهم التراث رغم أن التراث الإسلامي حافل بالرد على كل هؤلاء المنحرفين، وإلا لما تقبله العالم بسهولة، وما ظهرت هذه الجماعات في عصرنا وقويت شوكتها إلا بتدخل هؤلاء ودعم ملهميهم لها.
العجب العجاب أن هناك الكثير من مفكري الغرب، لم يجدوا بدًا إلا الاعتراف بنور الإسلام، ونقاء التراث الإسلامي، لكن هؤلاء الذين أعمى الله قلوبهم، لا يزالون يطعنون في كل ما هو إسلامي بجهل وإصرار غبي.
خذ مثلا شهادة أحد أساطين التنوير الغربي في مقارنته بين حال النهضة الإسلامية في العصر الحديث، وبين النهضة الأوروبية التي قامت على نهب حضارات الغير؛ متسترة في عباءة دينية جديدة، تبشر بديانة وضعية ظلامية، تخالف العقل والمنطق والفطرة الإنسانية. لم تقدم للبشرية سوى إراقة الدمـاء لتنقل التجربة الظلامية التي عانت منها أوروبا قرونًا طويلة إلى عالمنا النقي الذي لولا تسلط هؤلاء عليه لكان الحال غير الحال.
يقول المفكر البريطاني (إريك هوبزباوم) في كتابه (عصر الثورة، أوروبا (1789- 1848)م):
"كانت الحملات التبشيرية خارج أوروبا تساندها القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية للتغلغل الأوروبي... وما علينا هنا إلا أن نلاحظ أن نتائجها لم تكن ملموسة بحلول العام 1848م، إلا في بعض جزر المحيط الهادي مثل هاواي..."
ويضيف: "ومقابل ذلك كان الإسلام يواصل توسعه الصامت، المندفع شيئًا فشيئًا في طريق لا عودة عنه، من دون أن تسانده جهود تبشيرية منظمة أو إرغام الناس على التحول إلى الإسلام. وقد اتسع الإسلام شرقًا وغربًا من السودان إلى السنغال، وكذلك إلى حد قليل جدًا، من شواطيء المحيط الهندي إلى اليابسة، وعندما تبدل المجتمعات أساسًا جوهريا في حياتها مثل الدين، فلا بد من أن تواجه مشكلات رئيسية جديدة. لقد أسهم التجار المسلمون، الذين تقاسموا احتكار التجارة مع العالم الخارجي وحققوا المكاسب معه في داخل أفريقيا في اجتذاب الشعوب الجديدة إلى الإسلام. وعززت قوة الجذب هذه تجارة الرقيق التي حطمت الحياة الجماعية؛ لأن الإسلام وسيلة بالغة القوة لإعادة دمج البنى الاجتماعية".
لاحظ أن الفترة التي يتكلم عنها "هوبزباوم"، كانت شهدت مشارف 5 حركات للنهضة الإسلامية تسبق النهضة الأوروبية بخطوة أو تسير معها قدمًا بقدم، لكنها وئدت في مهدها بفعل الاحتلال العسكري الغربي وذيوله من الظلامية.
إنهم حقًا يلتمسون النور فيما وصفه الله بالظلمات، ويزعمون أن الطهارة محصورة فيما يخرج من بطون الغرب.