فاتن فتحي تكتب: التمريض المنزلي ورعاية المسنين.. استراتيجية عالمية ضرورة مصرية


التمريض المنزلي ركن أساسي من النظام الصحي، لتخفيف الضغط على المستشفيات، وتقليل تكلفة الاستشفاء بنسبة 30%.. ومن المتوقع أن يصل عدد الأشخاص ما فوق 60 عامًا - وفقًا لتقرير الأمم المتحدة - حوالي 2.1 مليار شخص عام 2050 ، مما يضع ضغوطًا على الرعاية الصحية التقليدية ويعزز الحاجة إلى رعاية تمريض منزلي، وهناك 80% من المسنين يعانون من مرض واحد على الأقل، وحوالي 90% منهم يفضلون الرعاية المنزلية، وحوالي 60% ممن يتلقون رعاية منزلية يظهرون تحسنًا أكبر ممن يتلقي العلاج في المستشفيات، كذلك تحسين حالة المريض بنسبة 25%.
ووفقًا لدراسة نشرت في "JAMA Internal Medicine"، فإن الرعاية الصحية المنزلية تساهم في تقليل مخاطر الانتقال إلى المستشفى بنسبة 20%، كما تتيح متابعة دقيقة للمرضى، وتحد من المضاعفات الخطيرة، وتوفر بيئة آمنة ومحفزة للمرضى، بما يحسن نوعية حياتهم، وقد تبين أن 75% من كبار السن يشعرون برضا أكبر مقارنة بأقرانهم في المستشفيات.
كما تشير الدراسات إلى أن كل جنيه يُستثمر في الرعاية الصحية المنزلية يوفر حوالي 2.5 جنيه في التكاليف الصحية الإجمالية بسبب تقليل الدخول للمستشفيات..حيث أظهرت دراسة أُجريت على 300 مريض يتلقون الرعاية المنزلية في هولندا- أن 70% منهم أظهروا تحسنًا ملحوظًا في جودة حياتهم.
ففي هولندا يُخصص حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للرعاية الصحية، بما في ذلك التمريض المنزلي.. بينما في السويد أكثر من 5% من الناتج المحلي يُخصص لهذا القطاع، و في ألمانيا، تبلغ مخصصات الرعاية الصحية المنزلية وتدريب مقدمي الرعاية حوالي 30 مليار يورو.. وفي أمريكا تبلغ المخصصات حوالي 10-12% من إجمالي الإنفاق الصحي العام.
الدول العربية تعاني من نقص في مخصصات هذا القطاع، حيث تتراوح النفقات ما بين 0.5% إلى 1% من إجمالي الناتج المحلي، مما يعكس الحاجة إلى مزيد من الاستثمار في هذا المجال، ووفقًا لوزارة الصحة الإماراتية، يتم تخصيص حوالي 1.5 مليار درهم (ما يعادل 400 مليون دولار أمريكي) سنويًا لتحسين الرعاية المنزلية، وتدريب الكوادر الطبية، وتطوير البنية التحتية، وفي المملكة العربية السعودية أطلقت وزارة الصحة مبادرات للرعاية المنزلية، مع تخصيص حوالي 2 مليار ريال سعودي سنويًا، أما في الأردن فقد خصصت الحكومة حوالي 100 مليون دينار سنويًا لتطوير الرعاية الصحية المنزلية، كما بدأت مصر بزيادة محصصات الرعاية المنزلية، حيث بلغت ميزانيتها حوالي 1.2 مليار جنيه مصري (حوالي 38 مليون دولار أمريكي) سنويًا، ولكنها ما زالت تحتاج إلى مزيد من الدعم .
وتشير التوقعات إلى أن قطاع الرعاية المنزلية سيشهد نموًا بنسبة 6-7% سنويًا حتى عام 2030، حيث تلعب التكنولوجيا دورًا هاماً في تحسين الرعاية المنزلية، ففي الولايات المتحدة تم إدخال أجهزة مراقبة عن بُعد لقياس الضغط والسكر واستشعار الحركة ومراقبة الحالة الصحية دون الحاجة لزيارة ميدانية مستمرة.. وقد أظهرت دراسة أن 45% من الأسر التي استخدمت هذه التقنيات شهدت تحسنًا في مراقبة الحالة الصحية لكبار السن، وقللت بنسبة 35%. من الحاجة إلى زيارات الأطباء والمستشفيات..وهو ما يتطلب تكثيف استخدام التكنولوجيا، وزيادة الدعم الحكومي.
صعوبات يواجهها مقدمو خدمة الرعاية المنزلية
الضغط الزمني:أظهرت دراسة أُجريت في الولايات المتحدة أن 60% من مقدمي الرعاية يتعرضون للإرهاق بسبب العمل المتواصل دون فترات راحة كافية، مما يؤدي إلى تراجع مستوى الخدمة المقدمة، حيث يصبح مقدمو الرعاية غير قادرين على الاهتمام بكافة تفاصيل رعاية المرضى بشكل متساوٍ وفعّال.
نقص التدريب المتخصص:أظهرت دراسة أوروبية حديثة أن 40% من مقدمي الرعاية يعانون نقصاً في التدريب للتعامل مع مرضى الخرف والشلل النصفي، مما يجعل من الصعب على مقدمي الرعاية التعامل مع الحالات المعقدة والمتطورة التي يتطلب علاجها مهارات ومعرفة متخصصة.
التكلفة المالية:الرعاية التمريضية المنزلية قد تكون أقل تكلفة من الرعاية في المستشفيات، إلا أن تكاليفها تظل مرتفعة، فتكلفة الرعاية المنزلية فى بريطانيا – على سبيل المثال - تصل إلى حوالي 25-30 جنيهًا إسترلينيًا في الساعة، مما يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسر التي تحتاج إلى رعاية مستمرة على مدار اليوم، أوعلى المدى الطويل، مما يساهم في تدهور جودة الرعاية المقدمة.
قلة الموارد والدعم:تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2022 أكد أن 55% من البلدان لا توفر الدعم الكافي أو التدريب المستمر لمقدمي الرعاية المنزلية. هذا النقص في الدعم يؤدي إلى ضعف جودة الرعاية المقدمة، وصعوبة في تلبية كل احتياجات المرضى، ويؤدي إلى وجود فجوة بين الطلب والعرض.
الصعوبات المتعلقة بالمريض وأسرته
نقص الدعم العائلي:يعاني مقدمو الرعاية من عدم تعاون بعض أفراد الأسرة في تقديم المساعدة اللازمة، مما يزيد من العبء على مقدمي الرعاية ويؤثر سلبًا على فعالية العلاج، فقد يكون بعض أفراد الأسرة غير مدركين لحجم الجهد الذي يتطلبه تقديم الرعاية، ما يضاعف العبء على مقدم الرعاية المنزلية.
مقاومة المرضى:يواجه مقدمو الرعاية مقاومة من المرضى أنفسهم، خاصة الذين لا يرغبون في تلقي الرعاية بسبب شعورهم بالاعتماد على الآخرين أو الخوف من فقدان استقلاليتهم..هذه المقاومة تؤثر على فعالية العلاج، حيث يصبح من الصعب تحقيق التعاون بين المريض ومقدم الرعاية.
المشاكل الصحية المعقدة:التحديات في التعامل مع أمراض مزمنة ومعقدة مثل السرطان، الزهايمر، أو أمراض القلب، والتي تتطلب متابعة طبية دقيقة ومهارات خاصة. هذه الأمراض قد تتطلب متابعة يومية دقيقة ومستمرة، مما يشكل عبئًا إضافيًا على مقدمي الرعاية ويزيد من تعقيد مهامهم.
نقص التدريب المتخصص:نقص التدريب أحياناً، حيث يتطلب العمل مع المرضى كبار السن معرفة متخصصة في الرعاية الطبية والعاطفية، وهو ما لا يكون متاحًا لجميع العاملين في هذا المجال.. فالرعاية المنزلية تتطلب مهارات تشمل التعامل مع الحالات الحرجة والنفسية والعصبية والعاطفية للمرضى.
الضغط النفسي والبدني:يتعرض مقدمو الرعاية للإجهاد نتيجة العمل المستمر مع المرضى لفترات طويلة دون فترات راحة كافية. هذا الإجهاد قد يؤدي إلى تراجع قدرة مقدمي الرعاية على تقديم الخدمة بشكل جيد ويزيد من مخاطر حدوث مشاكل صحية لهم نتيجة العمل المتواصل.
نقص الموارد المالية:تتسبب الموارد المالية المحدودة في في تقليص ميزانيات الرعاية المنزلية، مما يؤدي إلى تقليص عدد مقدمي الخدمة وتدني مستوى الرعاية المقدمة. نقص التمويل يساهم أيضًا في عدم قدرة الأسر على توفير المعدات الطبية اللازمة للرعاية، مما يحد من فعالية العلاج.
الصعوبات المتعلقة ببيئة العمل: مقدمو خدمة الرعاية المنزلية صعوبات متعددة تتعلق ببيئة العمل، التي تُعد أحد العوامل الأساسية المؤثرة في تقديم الخدمة. من أبرز هذه الصعوبات:
البيئة غير المؤهلة:يواجه مقدمو الرعاية صعوبة في توفير العناية الطبية المناسبة بسبب نقص المعدات الطبية أو ضعف الإضاءة أو المساحات غير الكافية، مما يزيد من مخاطر الإصابات أو التدهور الصحي للمرضى..ففي بعض المنازل قد لا تتوفر بيئة آمنة للمرضى، مما يساهم في تفاقم المشاكل الصحية.
التنقل بين المنازل:الرعاية المنزلية تطلب تنقلًا مستمرًا بين المنازل، مما يسبب الإرهاق البدني، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى وسائل النقل المناسبة. هذا التنقل المستمر يمكن أن يؤدي إلى تراجع فعالية الرعاية، حيث يصبح من الصعب على مقدمي الرعاية التركيز على كل مريض بشكل كافٍ.
الظروف الاقتصادية:تعاني بعض الدول من نقص التمويل لشراء المعدات اللازمة أو لتوفير بيئة آمنة للمريض، مما يضع عبئًا إضافيًا على مقدمي الرعاية. عندما تكون الموارد المالية محدودة، يصعب على مقدمي الرعاية توفير المستلزمات الضرورية لرعاية المرضى بشكل فعال.
الضغط النفسي:الضغوط النفسية التي تزداد بسبب العمل المستمر دون فترات راحة مناسبة أو دعم اجتماعي، مما يؤدي إلى تراجع الحالة المعنوية لمقدمي الرعاية، مما يؤثر على جودة الخدمة المقدمة.
نقص التدريب المستمر:بيئة العمل قد تفتقر إلى التدريب المستمر على كيفية التعامل مع الحالات المعقدة، مما قد يؤدي إلى شعور مقدمي الخدمة بعدم الكفاءة أو القلق بشأن مستوى الرعاية المقدمة.. تدريب مقدمي الرعاية بشكل مستمر يعد أمرًا حيويًا لضمان تقديم رعاية فعالة وآمنة.
التحديات المتعلقة بالسلامة الشخصية:يواجه مقدمو الرعاية التحديات المتعلقة بالسلامة الشخصية، خاصة في المنازل التي تحتوي على مكونات غير آمنة أو في مناطق تفتقر إلى الحماية القانونية أو الاجتماعية للمقدّمين. هذه التحديات قد تعرض مقدمي الرعاية لمخاطر متعددة أثناء تأديتهم لعملهم.
الصعوبات نتيجة عدم فهم المريض وأسرته لطبيعة ومحددات عمل التمريض المنزلي:
التوقعات غير الواقعية:وجود توقعات غير واقعية من بعض المرضى وأسرهم حول قدرة مقدمي الرعاية على تقديم مستوى رعاية مشابه لما يقدم في المستشفيات والمراكز الطبية، مما يعقد التوقعات بين الأطراف المعنية. هذه التوقعات قد تؤدي إلى شعور بالإحباط لدى المرضى وأسرهم عندما لا تتحقق.
مسؤوليات إضافية:يعتقد بعض المرضى وأسرهم أن التمريض المنزلي يتضمن فقط تقديم الأدوية والرعاية الجسدية، دون فهم عناصر الدعم العاطفي والنفسي، ما يزيد من الضغط على مقدمي الرعاية. كما تؤدي قلة الوعي حول حدود الخدمات بتحميل مقدمي الرعاية مسؤوليات تتجاوز نطاق عملهم، مثل الأعمال المنزلية أو التدخلات الطبية المتخصصة التي تتطلب مهارات خاصة قد لا يمتلكها مقدم الرعاية.
مقاومة التغييرات في نمط الحياة:يواجه مقدمو الخدمة صعوبة بسبب مقاومة المريض أو عائلته عندما يرفضون التغيرات في نمط الحياة الضروري لتحسين حالة المريض ، مثل الالتزام بالتمارين البدنية أو النظام الغذائي الموصى به. هذه المقاومة قد تجعل من الصعب تحقيق التحسن الصحي للمريض.
قلة الدعم العائلي:يعاني مقدمو الرعاية من قلة الدعم العائلي بسبب عدم فهم الأسرة لكيفية المساهمة بشكل فعال في رعاية المريض، مما يؤدي إلى زيادة العبء على مقدمي الخدمة ويحد من فعالية العلاج، لأن التعاون الفعّال من الأسرة يعد عنصرًا أساسيًا في توفير رعاية متكاملة وفعالة للمريض، مما يتطلب أهمية التثقيف المستمر للمريض وأسرته حول دور ومهام مقدمي الرعاية، فضلاً عن التوضيح المسبق للمحددات المهنية التي يجب أن يتحلى بها مقدمو الخدمة لضمان تحقيق أفضل نتائج صحية.